الأحد، 15 نوفمبر 2009

تلاحم الأمة بقادتها-الشيخ عبدالله نمر درويش - مؤسس الحركة الاسلامية




لقد استردت الأمة عزتها بعد الهوان عندما تلاحمت القيادة بالأمة، فصلاح الدين الأيوبي عرف كيف يجمع الأمة وبماذا تجتمع، فوحدها تحت لواء دينها وانطلق للتحرير، فبدد شمل الفرنجة وطهر المقدسات، وعرف قطز كيف تتوحد الأمة وبماذا تتوحد، فقادها وإلى جانبه سلطان العلماء العز ابن عبد السلام، وأذاق التتار والمغول بأمة التوحيد مر الهزيمة وطهر البلاد منهم، وفي المرتين يكتب الله تعالى هذه الكرامة لمصر وشعبها، فمنها انطلقت وحدة الأمة عندما التقى جناحا الوطن العربي مصر والشام، فصنع هذا اللقاء بتوفيق الله حطين وعين جالوت، إنها مصر، كنانة الله في أرضه، إذا تحركت فإن الأمة تتحرك بحركتها، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما، أو قال ذمة وصهرا، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها، قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها) رواه مسلم، قال النووي: والرواية الثانية: (ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها، قال فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها)، وأما الذمة فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم، وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره بأن الأمة تكون لها قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها أنهم يفتحون مصر، ومنها تنازع الرجلين في موضع اللبنة، وقال الزهري الرحم باعتبار هاجر، والذمة باعتبار إبراهيم أي ابن النبي، وقال العسقلاني: أراد بالذمة العهد الذي دخلوا به في الإسلام أيام عمر، فان مصر فتحت صلحا، وفي هذا الحديث من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام فتح مصر، وإعطاء أهلها العهد، وفي الطبراني من حديث كعب بن مالك (إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم ذمة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله) صححه الألباني، ومن مصر قدر الله تعالى أن تكون طلائع النهضة المعاصرة، فانتشرت أنوارها في كل البلاد الإسلامية، وإذا أرادت الأمة أن تنهض من جديد بكل ما في النهضة من العلم والقوة والأمن والإستقرار والرخاء وبناء حضارة الإنسان الكريم، فعلى الأمة أن تعين مصر لتنهض، وذلك بدعمها حتى لا تحتاج إلى من يريدون تغييب دورها، ولا بد من تعميق العلاقات مع شعبها الأصيل بكل تياراته، فمصر كانت وستبقى بوابة نهضة الأمة بعون الله تعالى، فظلام ليلها لا يدوم، وفيها لا يعمر ظالم أو محتل، مهما كانت المعاناة والآلام، ولولا ما فعله قطر وبيبرز بالتتار في عين جالوت، وما فعله الناصر صلاح الدين بالفرنجة في حطين، لكان لتاريخنا مسارا آخر، ولما عانينا من أندلس واحدة فقط بل لعلها كانت اندلسات كثيرة، وما أروع ما قاله سلطان العلماء في آخر خطبة خطبها في دمشق: ((اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر)) ثم نزل، وانتقل إلى مصر، فرحب به الملك نجم الدين، فولاه الخطابة والقضاء، وكان أول ما لاحظه بعد توليه القضاء، قيام الأمراء المماليك بالبيع والشراء وقبض الأثمان، وهو ما يتعارض مع الشرع، إذ أنهم في الأصل مملوكين لا يحق لهم البيع والشراء والزواج من حرائر نساء مصر، فكان لا يمضي لهم بيعا ولا شراء، حتى تكالبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح، فلم تعجبه فتوى الشيخ العز، فذهب إليه يسأله أن يعدل من فتواه، فطالبه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فهو ليس للسلطان، فإن تدخل فالشيخ يقيل نفسه، فاجتمع أمراء الدولة وأرسلوا إليه، فقال الشيخ: نعقد لكم مجلسا وننادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلمين، فاستشاط نائب السلطنة غضبا، وكان مملوكا، وأقسم ليقتلن الشيخ بسيفه، فذهب إليه نائب السلطنة مع جماعة من الأمراء فطرق بابه، ففتح الباب ابنه عبد اللطيف، فراعه منظر نائب السلطنة إذ رأى سيفه مسلولا، والغضب يعلو وجهه فدخل على والده وقال: انج بنفسك إنه القتل، فرد عليه الشيخ: أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله، ثم خرج، وحين وقع بصره على النائب سقط السيف من يد النائب وارتعد، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال يا سيدي ماذا ستفعل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم، إلا أن السلطان لم يقبل حكم الشيخ، وأرسل إليه من يخبره بأنه لن يسمح ببيع الأمراء، وأمر السلطان واجب، وهو فوق قضاء الشيخ فأنكر الشيخ تدخل السلطان في القضاء، فجمع أمتعته ووضعها علي حمار، ووضع أهله على حمير أخري، وساق الحمير ماشيا، وهو يتلو: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)؟ تجمع أهل مصر وراءه وتبعه الجميع، حتى كادت مصر أن تخلو من سكانها، فخرج الملك الصالح مسرعا ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله، فتم له ذلك، واشتهر العز بعدها بأنه بائع الملوك، فأزداد الأمراء المماليك غضبا، وتآمروا على قتله مرة أخرى وفشلوا، وتاب من بعثوهم لقتله على يديه، فالعز هو إمام جناحين الوطن العربي مصر والشام، فبهذين البلدين ودعم الأمة من ورائهما كانت هيبة الأمة وانتصاراتها في حطين وعين جالوت وغيرهما، وبعودتهما اليوم للوفاق ومعهما الوطن العربي والإسلامي وفي الطليعة منه ديار الحرمين، الكعبة في مكة ومسجد النبي في المدينة، بهذا يكون تجديد مجد الأمة وعزتها، وبه يكون تطورها وانفتاحها على العالم وهي تحتفظ بشخصيتها العربية الإسلامية، وبهذا يكون يوم الحرية الأكبر يوم تتحرر القدس ومقدساتها، ويكون التوقيع في القدس من جديد على عهدة الفاروق، وبالأخوة الصادقة والفاعلة يعود دورنا في الحياة خير أمة أخرجها الله للناس وخدمتهم، ولم يخرجها عليهم لاستخدامهم: (كنتم خبر أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران.

                                                   والله غالب على أمره

تعاليق :

0 التعليقات على “تلاحم الأمة بقادتها-الشيخ عبدالله نمر درويش - مؤسس الحركة الاسلامية”


إرسال تعليق

يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت "